Volume 2025, Number 101
(2025)
Year 39 Issue 101 May 2025
مقدمة العدد
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم في ميدان التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، برزت الحاجة الماسّة إلى إعادة تصور النماذج التقليدية لصناعة القرار التشريعي، بما يواكب متطلبات العصر الرقمي، ويرتقي بجودة التشريعات، ويدعم الكفاءة المؤسسية ومرونة السياسات العامة. ومن هذا المنطلق، تأتي فكرة "مكتب الذكاء التشريعي" كأداة استراتيجية متقدمة، تهدف إلى تعزيز قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على صياغة تشريعات مستقبلية قائمة على البيانات والتحليل الذكي والتنبؤ القانوني من خلال المنظومة التشريعية الذكية.
لقد قطعت دولة الإمارات العربية المتحدة شوطاً ريادياً في تطوير منظومة تشريعية ديناميكية تستند إلى الابتكار والتقنيات الحديثة، حيث أولت اهتماماً بالغاً بتوظيف الذكاء الاصطناعي في مجالات العدالة والتشريع والخدمات القانونية. ويُعد إنشاء مكتب الذكاء التشريعي خطوة نوعية في هذا الاتجاه، إذ يمثل بنية مؤسسية متخصصة تجمع بين المعرفة القانونية العميقة وأدوات التحليل الرقمي الذكي، بهدف دعم صانع القرار التشريعي برؤى دقيقة ومعطيات استباقية وذلك من خلال إطلاق أول منظومة تشريعية ذكية متكاملة لتطوير التشريعات والقوانين بدولة الإمارات. فقد أكد مجلس الوزراء بأن "المكتب سيقوم بتطوير خارطة تشريعية متكاملة لكافة التشريعات الاتحادية والمحلية في الدولة، وربطها عبر الذكاء الاصطناعي بكافة الأحكام القضائية والإجراءات التنفيذية والخدمات المقدمة للجمهور، وستتيح المنظومة الجديدة رصد أثر التشريعات الجديدة على الجمهور وعلى الاقتصاد بشكل يومي عبر التكامل مع البيانات الضخمة، واقتراح التعديلات التشريعية بشكل مستمر، وستكون المنظومة الجديدة مرتبطة بمراكز أبحاث وتطوير عالمية لمتابعة أفضل السياسات والتشريعات العالمية وكيف يمكن الاستفادة منها في دولة الإمارات، وأن المنظومة الجديدة للتشريعات القائمة على الذكاء الاصطناعي ستحدث نقلة نوعية في دورة التشريع وسرعتها ودقتها بما يضمن التفوق التشريعي الوطني ومواكبة القوانين لأفضل الممارسات ولأعلى الطموحات..".
نعتقد أن هذه المنظومة التشريعية الذكية ستعتمد على عدة ركائز لتحقيق أهدافها والتي منها استخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل النصوص القانونية وتحديد الثغرات والتكرارات التشريعية، مما يمكن المشرع من اتخاذ قرارات أكثر دقة، وتحليل السوابق القضائية والاتجاهات القانونية لتوقع تأثير التشريعات الجديدة قبل إصدارها. لذلك، تمثل المنظومة التشريعية الذكية نقلة نوعية في مفهوم سيادة القانون، حيث تتحول من النصوص الثابتة إلى نظام ديناميكي تفاعلي قادر على التكيف مع المتغيرات. هذا التحول يؤسس لمرحلة جديدة من "الحوكمة التشريعية الذكية" التي تضع الإمارات في طليعة الدول الرائدة في هذا المجال.
في هذا العدد من المجلة، نستعرض مجموعة من الدراسات القانونية المعمقة التي تتناول قضايا حيوية تهم الباحثين والمهتمين بالشأن القانوني، وتساهم في تدعيم الفكر القانوني الوطني والمقارن.
نبدأ بدراسة مميزة بعنوان "حدود سلطة رئيس الجمهورية في تعديل الدستور في ظل الدستور السوري لعام 2012 م"، ثم ننتقل إلى دراسة موسوعية بعنوان "نظام الرجوع عن القرارات والأحكام الباتة في دولة الإمارات العربية المتحدة – دراسة تحليلية، وتتناول الدراسة الثالثة موضوعاً ذا أهمية متزايدة بعنوان "مستقبل التدخل القضائي في مرحلة التنفيذ العقابي: رؤية جديدة في ضوء نصوص الدستور المصري الصادر سنة 2014م"، وفي الدراسة الرابعة، تناقش المجلة قضية ذات طبيعة اقتصادية وقانونية مهمة بعنوان "آثار نزع الملكية للمنفعة العامة على حق الملكية الخاصة في النظام السعودي، وتتناول الدراسة الخامسة "نظام الرجوع عن القرارات والأحكام القضائية في دولة الإمارات العربية المتحدة"، وأما الدراسة السادسة فتتحدث عن "رقابة المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية على الأنظمة –دراسة مقارنة تبرز دور الرقابة الدستورية، أما البحث السابع فيتحدث عن "جدلية الخطأ المُكسب في القانون المدني الفرنسي"، والذي يستعرض الجدل الفقهي حول هذا المبدأ، والمبحث الثامن يناقش "الإطار القانوني لمختبرات التقنية المالية"، والدراسة التاسعة تتناول موضوعا مهما وهو "المواجهة الجنائية للتحايل على عنوان بروتوكول الإنترنت في القانونين الإماراتي والليبي"، والبحث العاشر فهو عن "الإنهاء الضمني للعقد الإداري في قضاء مجلس الدولة الفرنسي"، وأما عن البحث الأخير في هذا العدد فإنه باللغة الإنجليزية ويتناول " Tribal Justice as an Islamic Means of Conflict Resolution in Palestine".
مع خالص التحية
د. محمد شاكر الحمادي
رئيس هيئة التحرير