Volume 2020, Number 83
(2020)
Year 34, Issue No. 83 July 2020
يصدر العدد الثّالث والثّمانون ونحن نمر بجائحة عالميّة، ألا وهي جائحة (كرونا)؛ إذ استيقظ العالم على وباء عطّل كلَّ مناحي الحياة في دول العالم، من تجارة إلى تعليم، إلى أنشطة ثقافيّة إلى سياحة. وعاش العالم كلُّه في قلق ورعب غير مُنقطِعَي النّظير؛ إذ لم يمرّ العالم بمثل هذه الجائحة منذ عام 1920، عندما ظهرت جائحة (الفلاونزة الإسبانيّة). وسبق ذلك التّاريخ جوائح كثيرة أيضاً، أوقعت الآلاف والملايين من الضّحايا. وقد تعرض المسلمون في العهد الأوّل وفي العصر الأمويّ والعباسيّ إلى جوائح، مثل الطّاعون، كانت قاتلة مدمّرة، تناولها الشّعراء والكُتّاب. وهذا ابن حجر العسقلانيّ ألَّف كتاباّ أسماه (فضل الماعون في زمن الطّاعون)، أحاط فيه بالأحكام الشّرعيّة والفقهيّة، والتّدابير الوقائيّة التي يجب التّحرُّز بها لمنع انتشار العدوى، وذكر وقائع كثيرة للجوائح منذ الفتح الإسلاميّ في بلاد الشّام. وقد استوقفتني قصيدة من الشّعر الحرّ للشّاعرة العراقيّة نازك الملائكة رحمها الله؛ ترثي فيها ضحايا الشعب المصري بجائحة الكوليرا التي ظهرت في مصر عام 1930. وكانت القصيدة حزينة ومؤلمة، للمشاهد التي وصفتها من موت وعويل ومقابر تنتشر فيها جثث الموتى. لذلك لم تكن الجائحة الحاليّة هي الجائحة الأولى، لكنْ ينبغي على أهل القانون أن يتنبّهوا إلى ما سوف يترتّب على جائحة كورونا من مشاكل ونزاعات باعتبارها سبباً أجنبيّاً غير متوقَّع، قد يعطل التزامات المدينين، ويجعل من العقود مستحيلة التّنفيذ، أو مرهقة في التّنفيذ. كما أن شركات التّأمين قد يقع عليها العبء الأكبر في تغطية الأضرار التي تلحق بالشّركات والأفراد والمستشفيات الخاصّة وغيرها. ويمكن أن تزعزع العلاقة بين صاحب العمل والعامل نتيجة توقُّف المنشآت عن العمل، أو نتيجة الخسائر المادّيّة التي تلحق بها لتباطؤ نموّها الاقتصاديّ. ويمكن أن تقود الجائحة إلى نزاعات دوليّة نتيجة اخلال بعض الدّول، أو المنظّمات الدّوليّة بالتزاماتها في مكافحة الوباء ومنع انتشاره في أرجاء المعمورة.
من أجل ذلك نحث الباحثين على البدء بالتّصدّي لهذه الجائحة، وبيان انعكاساتها القانونيّة على العلاقات بين الأفراد وبين الدّول والمنظّمات الدّوليّة، وما قد ينجم عنها من أزمات اقتصاديّة، وبطالة، وهدر للحقوق. وتُرحِّب هيئة التّحرير بمثل هذه الدّراسات لتكون داعمة للسّلطات التّشريعيّة وللقضاء عندما يتصدّيان لمعالجة المشاكل التي سوف تنتج عن هذه الجائحة.
لم تتوقّف مجلّة الشّريعة والقانون عن النّشر والصّدور في مواعيدها، رغم الحجر والتّواصل عن بعد، وتعذُّر الوجود في المكاتب، لا بل لاحظنا في فترة الحجر تزايداً كبيراً في عدد الأبحاث المعروضة على هيئة التّحرير لغرض النّشر. وننشر اليوم في هذا العدد أبحاثاً مهمّة تعالج قضايا علميّة قانونيّة معاصرة. فقد احتوى هذا العدد على تسعة أبحاث، تعلّق البحث الأوّل بموضوع قديم جديد، هو الدّفع بالتّجريد في القانون المدنيّ الأردنيّ. وتطرّق الثّاني إلى التّعديلات المُستحدَثة في قانون السّجلّ العقاريّ المبدئيّ في إمارة دبي وأثرها في التّكييف القانونيّ لعقد البيع على الخارطة. ودرس البحث الثّالث البلوغ كشرط للمساءلة الجنائيّة في الفقه الإسلاميّ والتّشريع اللّيبيّ والإماراتيّ. وعالج البحث الرّابع مبدأ الأمانة المرتجعة في القانون الإنجليزيّ والسّودانيّ. وكان الخامس عن القانون الواجب التّطبيق على عقد "هبة علامة تجارية". وفصّل البحث السّادس في ضمانات القضاء على الغائب. أمّا السّابع فقد تصدّى لموضوع التّعسُّف في توجيه اليمين الحاسمة في قانون البيّنات الفلسطينيّ. وعالج البحث الثّامن المسئوليّة المدنيّة عن أضرار الكائنات الحيّة المحوَّرة وراثيّاً. أمّا الأخير فكان عن حجيّة أحكام المحكمة الدّستوريّة وآثارها. ولم تغفل هيئة التّحرير عن نشر أحكام قضائيّة مختارة صادرة عن المحكمة الاتّحادية العليا.
لم تهمل هيئة التّحرير بعض الأحكام القضائيّة الصّادرة عن المحكمة الاتّحاديّة العليا، فاختارت منها ماتراه إثراءً للقارئ، وذلك ضمن الدّراسات غير المحكَّمة.