Volume 2006, Number 26
(2006)
Year 20, Issue No. 26 April 2006
الحمد لله ربّ العالمين، حمدًا ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، سبحانك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك فلك الحمد حتّى ترضى.
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم النبيين وإمام المرسلين، وخير خلق الله أجمعين ورحمة الله للعالمين سيّدنا ونبيّنا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه تسليمًا كثيراً، وعلى من اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد، فإنّ للرسول العظيم والنبيّ الكريم r من عظيم القدر ورفعة المكانة وعلوّ الشأن ما يعجز اللسان عن النطق به، واليراع أن يكتب في شأنه ما هو أهلٌ له، رفعه الله مكانًا عليًّا، وبوّأه منزلة لا يبلغ شأوها نبيٌّ مرسل ولا مَلَكٌ مُقرّب، رفع الله ذِكره وأعلى قدره، وجعله الله خاتم النبيّين وإمام المرسلين، وأرسله رحمةً للعالمين بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا مُنيرًا.
كان النبي r يمتاز من جمال خُلُقه وكمال خَلْقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أنّ القلوب فاضت بإجلاله، وتفانى الرِّجال في حياطته وإكباره بما لا تعرفُ الدنيا لرجلٍ غيره، فالّذين عاشروه أحبّوه إلى حدّ الهيام، ولم يُبالوا أن تندقّ أعناقهم ولا يُخدش له ظُفر، وما أحبّوه كذلك إلا لأنّ أنصبته من الكمال الّذي يُعشق عادة لم يُرزَق بمثلها بشر.
إنّ رسولنا محمّد r شامة في جبين التاريخ، فما أشرقت الشمس ولا غربت على أعلى منه r مقامًا، ولا أصدق منه r حديثًا، ولا أطهر منه r نفسًا، ولا أشرف منه r نسبًا، ولا أزكى منه r سيرة، ولا أسخى منه r يدًا، ولا أبرّ منه r صلة، ولا أرحم منه r فاتحًا.
جمع الله له r بين المحامد كلها فكان محمّدًا r، ورفع الله ذكره وأعلى قدره فكان سيّدًا r، هو r سيّد ولد آدم ولا فخر، سيبعثه الله يوم القيامة مقامًا محمودًا تتقاصر دونه الأطماع وتتطامن دونه الأماني، صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة، يوم يتخلى عنها أولو العزم من الرسل ويقول هو r : أنا لها، أنا لها.
جمع r المحاسن كلها، وحاز r من المكارم أجلّها، فهو r محمودٌ عند الله ؛ لأنّه r رسوله المعصوم، ونبيّه الخاتم، وعبده الصالح، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، وخليله من أهل الأرض ؛ ومحمودٌ عند الناس؛ لأنّه r الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، قريبٌ من القلوب، حبيبٌ إلى النفوس، مباركٌ أينما كان، محفوفٌ بالعناية أينما وُجد، محاطٌ بالإجلال والتقدير أينما حلّ وارتحل.
إن فضائل النبي r لا تكاد تُحصى كثرةً فهو منّة الله على هذه الأمة ) لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم (، وهو دعــوة إبراهيم u : ) ربّنا وابعث فيهم رسولا منهم ( وبشارة عيسى u: )ومبشّرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد(، امتدحه ربه ورفع منزلته فهو r أوّل من تنشق عنه الأرض, وأوّلُ شافعٍ وأوّلُ مُشفّع، وأوّلُ من يجتاز الصراط، وأوّل من يدخل الجنة, كان r نبيًّا وآدم u منجدلٌ في طينته، أولى الناس بالأنبياء، ورحمة الله للعالمين، أُعطي r جوامع الكلم، ومفاتيح خزائن الأرض، ونصره الله بالرعب، وعرض عليه الأنبياء، وأطلعه على المغيّبات، وأعطاه الوسيلة والفضيلة، وله المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون, والحوض المورود، إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختص بها r دون غيره , وهي مدونة في كتب الدلائل والشمائل والخصائص والفضائل .
لقد شهد بفضل نبينا r القاصي والداني والصديق والعدو, وأنَّى لأحدٍ أن يكتم فضائله r وهي كالشمس في إشراقها وكالقمر في ضيائها.
إنّ الباحث في عظمةِ الرجال يبحث عنها في ناحية عقلهم، وعلمهم، وخلقهم، وإخلاصهم، وعزمهم، وعملهم، وحسن بيانهم.
ولقد كان سيدنا محمد r راجحَ العقل، غزيرَ العلم، عظيم الخُلق، شديد الإخلاص، صادق العزم، جليل العمل، رائع البيان.
تجلّى رجحان عقله r في ترك ما يتنافس فيه قومه من مظاهر الخيلاء، والانغماس في الشهوات؛ فانتبذ r مكانًا قصيًّا في غار حراء يخلو فيه بنفسه، ويقدح فيه زناد فكره، ويناجي فيه ربّه؛ فإذا نورُ النبوة يتلألأ بين جنبيه، وحكمة الله تتدفّق بين شفتيه.
وأما علمه فيزكّي النفوس، وينقي الأبصار، ويرفع الأمم إلى ذروة العز والشرف، حتى تحرز الحياة الطيبة في الدنيا، والسعادة الباقية في الأخرى، وتخرّج على يديه رجالٌ عظماء، لم يتلقوا من العلم غير ما كانوا يتلقّونه في مجلسه من حكمته، فكانوا منابع العلم ومعادن الأدب، وبلغوا الذروة من حصافة الرأي وقوّة الحجة.
وأما خُلُقه فيكفي في الشهادة له قول الباري سبحانه وتعالى: ) وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم(، وألسنة الرواة وأقلامهم تنطق ملوّحة بأنّه r قد بلغ الذروة في كلّ خُلُقٍ كريم.
وأما إخلاصه فقد كان صافي السريرة لا يبغي إلا هديًا، ولا ينوي إلا إصلاحًا، والإخلاص روح العظمة وقطب مدارها.
وأقرب شاهد على إخلاصه في دعوته أنه لم يحد عن سبيل الزهد في هذه الحياة قيد أنملة؛ فعيشه r يوم كان يتعبد في غار حراء كعيشه يوم أظلت رايته البلاد العربية، وأطلّت على ممالك قيصر من ناحية تبوك.
وأما صدق عزيمته فقد قام r يدعو إلى العدل ودين الحق ويلقى من الطغاة والطغام أذىً كثيرًا، فيضرب عنه صفحًا وعفوًا، ويمضي في سبيل الدعوة لا يأخذه يأس، ولا يقعد به ملل، ولا يثنيه جزع، وقد ظهر دين الله وَعَلتْ حكمته بهذا العزم الّذي تتقاصر دونه همم أولي العزم من الرجال.
وأما عمله r فصيامٌ وقيام، وتشريعٌ وقضاء، ووعظٌ وإرشاد، وسياسةٌ وجهاد، وهل من سيرة تُبْتَغى لعظمة يرضى عنها الله، ويَسْعَدُ بها البشر غير هذه السيرة ؟
وهل يستطيع أحدٌ أن يدلنا على رجل كان ناسكًا مخلصًا، ومشرّعًا حكيمًا، وقاضيًا عادلاً، ومرشدًا ناصحًا، وواعظًا بليغًا، وسياسيًّا أمينًا، ومجاهدًا مصلحًا، وفاتحًا ظافرًا، وسيّدًا تذوب في محبته القلوب، غير المصطفى r ؟
وأما حسن البيان، فقد بلغ r من الفصاحة والبلاغة الغاية التي ليس وراءها لمخلوق غاية، فالناظر إلى مخاطباته وخطبه، وما يورده من الأمثال، وما ينطق به من جوامع الكلم يجد جزالة اللفظ، ومتانة التركيب، وسهولة المأخذ، مع رفعة الأسلوب، وحكمة المعنى.
إنه النبي محمد r حيث الكمال الخُلقي بالذروة التي لا تُنال، والسموّ الذي لا يُسامى، أوفر الناس عقلاً، وأسداهم رأيًا، وأصحهم فكرةً، أسخى القوم يدًا، وأنداهم راحة، وأجودهم نفسًا، أجود بالخير من الريح المرسلة، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر، يبيت على الطوى وقد وهب المئين، وجاد بالآلاف، لا يحبس شيئًا وينادي صاحبه: "أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً".
أرحب الناس صدرًا، وأوسعهم حلمًا، يحلم على من جهل عليه، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذًا بالعفو وأمرًا بالمعروف، يمسك بغرة النصر وينادي أسراه في كرم وإباء: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
أعظم الناس تواضعًا، يُخالط الفقير والمسكين، ويُجالس الشيخ والأرملة، وتذهب به الجارية إلى أقصى سكك المدينة فيذهب معها ويقضي حاجتها، ولا يتميز عن أصحابه بمظهر من مظاهر العظمة ولا برسم من رسوم الظهور.
ألين الناس عريكةً وأسهلهم طبعًا، ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مُحرّمًا، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب وأشدهم مع الحق، لا يغضب لنفسه، فإذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء، وكأنما يُفقأ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب.
أشجع الناس قلبًا وأقواهم إرادةً، يتلقى الناس بثبات وصبر، يخوض الغمار ويُنادي بأعلى صوته:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وهو من شجاعة القلب بالمنزلة التي تجعل أصحابه إذا اشتد البأس يتقون برسول الله r، ومن قوة الإرادة بالمنزلة التي لا ينثني معها عن واجب، ولا يلين في حق، ولا يتردد ولا يضعف أمام شدة.
أعفّ الناس لسانًا، وأوضحهم بيانًا، يسوق الألفاظ مُفصلة كالدرّ، مشرقة كالنور، طاهر كالفضيلة في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة.
أعدلهم في الحكومة وأعظمهم إنصافًا في الخصومة يَقِيدُ من نفسه ويقضي لخصمه، يقيم الحدود على أقرب الناس، ويقسم بالذي نفسه بيده: " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
أسمى الخليقة روحًا r، وأعلاها نفسًا، وأزكاها وأعرفها بالله، وأشدها صلابة وقيامًا بحقه، وأقومها بفروض العبادة ولوازم الطاعة، مع تناسق غريب في أداء الواجبات، واستيعاب عجيب لقضاء الحقوق، يُؤتي كل ذي حق حقه، فلربه حقه، ولصاحبه حقه، ولزوجه حقها، ولدعوته حقها.
أزهد الناس r في المادة وأبعدهم عن التعلق بعرض هذه الدنيا، يطعم ما يقدم إليه فلا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقودا، ينام على الحصير والأدم المحشو بالليف.
أي عبارة تحيط ببعض نواحي تلك العظمة النبوية، وأي كلمة تتسع لأقطار هذه العظمة التي شملت كل قطر، وأحاطت بكل عصر، وكُتب لها الخلود أبد الدهر، وأي خطبة تكشف عن أسرارها وإن كُتب بحروف من النور، وكان مداده أشعة الشمس.
إنها العظمة الماثلة في كل قلب، المستقرة في كل نفس، يستشعرها القريب والبعيد، ويعترف بها العدو والصديق، وتهتف بها أعواد المنابر، وتهتز لها ذوائب المنائر.
ألم تر أن الله خلّـَد ذكـره إذ قال في الخمس المؤذن: أشهـد
وشـقّ له من اسمه ليجلـه فذو العرش محمود وهذا محمــد
عَظَمَةٌ انتظمت من هذه المزايا العالية؛ فبلغت حدّ الإعجاز، وكل درّة في عقد حياة سيّدنا وسيّد الخلق محمد r معجزة .
إنّ مقام الرسول الكريم r مقامٌ عظيم، لا يمكن أن يُمسّ بمثل هذه التُرّهات الّتي تفوّه بها أولئكم الموتورون، وسطّرها قلم أمثال هؤلاء من السُّفهاء السَّاقطين، ورسمها حقد الفاسدين وبُغض الهالكين، وإنّ هذه المقالات أو هذه الرسومات لن تنال من مقام جنابه السامي، ومنزلته العالية، بل يكشف للمُغتّرين دناءة هؤلاء، وحقدهم الدفين، وتفاهة عقولهم، وحقارة منزلتهم، وقسوة قلوبهم فهي أشدّ قسوة من الحجارة ؛ فالحجارة أحبّت رسولنا الكريم r وسبّحت في يده r.
هذه الرسومات التي نشرت على هذه الصفحات السوداء , هي قطعاً لا تمثل شخص رسول الله r بل هي صور أملاها عليهم خيالهم الفاسد، وفكرهم السقيم، وحقدهم الدفين، وجهلهم المركّب، أما سيّدنا محمد r فوجهه يُشِعُّ بالضياء والنور والبسمة والسرور ,لم يستطع أصحابه y أن يملأوا أعينهم منه إجلالاً له - وقد عاصروه - فكيف بمن لم يجمعه به زمان ولم يربطه به خُلُقٌ ولا إيمان ؟!
إنّ هذه الأفعال توقظ المسلمين وتنبههم إلى أنّ هؤلاء الّذين يتشدّقون بحريّة التعبير ليسوا سوى كَذَبةٍ يغُرُّون الجهلة من الناس وأتباعهم المنحرفين، فتراهم يُقيمون الدنيا ولا يُقعدونها إذا مُسّت حكاية المحرقة اليهوديّة، ويتّهمون أصحاب هذه المقالات بعداوة السامية، بل ويسنّون من الأنظمة والتشريعات ما يُدين المساس بأفكارٍ ورواياتٍ بشريّة، ويحاكمون الكُتّاب إذا تفوّهوا بشيءٍ من ذلك، بل إنّ ضغوطهم أدّى إلى تغييرٍ في حكوماتٍ وإبطالٍ لقوانين سنّتها مجالس التشريع في تلك البلاد الّتي تتشدّق بالديموقراطيّة وحريّة الرأي.
أمّا إذا قام معتوهٌ منهم أو ممّن ينتسب إلى بني جِلدتنا بالتعرّض لمقام الألوهيّة أو الرسالة، وجرحوا مشاعر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ فإنّهم يُمنحون الجوائز، ويُحاطون بسياجٍ من التكريم، ويحرصون على الحفاظ عليهم، ولا يُحرّكون ساكنًا بحجّة حريّة التعبير، وما أقبحها من حجّة، وما أشنعها من حريّة.
إنّ ما قامت به الصحيفة الدنماركيّة وتبعتها الصحيفة النرويجيّة وبعد ذلك الصحيفة الفرنسية ليست من حريّة التعبير في شيء، ولا يمُتُّ للحريّة بصلة، بل هي مخالفة لجميع الأعراف والقوانين والتقاليد، فإنّ حريّة التعبير لا تعني المساس بالآخرين، والنيل من عقائدهم ومقدّساتهم، فقد ورد في الفقرة ( 3 )من المادة ( 1 ) من ميثاق الأمم المتحدة في سياق بيان مقاصد الأمم المتحدة ما يأتي : " تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ".
وأكّدت ذلك المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما نصّه : " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".
وجاء في المادّة (29) من الإعلان ذاته:
1. " على كلّ فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.
2. لا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفًا منها، حصرًا، ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديموقراطي.
3. لا يجوز في أيّ حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها ".
وأمّا الاتفاقيّة الأوروبيّة لحقوق الإنسان وهي المهيمنة على القوانين في دول الاتحاد الأوروبي، فقد نصّ في المادة (10) على :
1. " لكلّ إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية.
2. هذه الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات. لذا يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية، وشروط، وقيود، وعقوبات محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديموقراطي، لصالح الأمن القومي، وسلامة الأراضي، وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة، وحماية الصحة العامة والآداب، واحترام حقوق الآخرين، ومنع إفشاء الأسرار، أو تدعيم السلطة وحياد القضاء.
كما ورد في المادة (14) من الاتفاقيّة ذاتها : " يكفل التمتع بالحقوق والحريات المقررة في هذه المعاهدة دون تمييز أياً كان أساسه: كالجنس أو العرق أو اللغة أو العقيدة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الانتماء إلى أقلية قومية، أو الثروة، أو الميلاد، أو أي وضع آخر".
ونصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادّة (19) على :
1. " لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
أ. لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
ب. لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
كما نصّ في المادّة (20) على:
1. " تحظر بالقانون أية دعاية للحرب.
2. تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف ".
إنّ جرأة هؤلاء على النيل من المقدّسات ما هو إلا نتيجة لتخاذل المسلمين وسكوتهم على ما لحق بهم من ضيمٍ وأذى، ولذلك فإنّ الواجب على كلّ غيورٍ وكلّ من بقيت لديه ذرّةٌ من النخوة والكرامة أن يُنكر هذا الفعل الشنيع، وهذا التجرؤ القبيح على مقام الرسالة المصونة بحفظ الله، ولا يجوز للحكومات في الدول الإسلاميّة أن تسكت على هذا المنكر القبيح، بل عليها أن تبذل كلّ ما في وسعها لإرغام أمثال هؤلاء الموتورين ومن يقف وراءهم على التراجع عن غيّهم، وسبل الضغط السلميّ كثيرة، وإنّ هؤلاء لينظرون إلى مصالحهم الاقتصاديّة ويجعلونها في مقدّمات أولويّاتهم، ولا يرضون بتعرّض تلك المصالح والمنافع للخطر، وحينها يَدَعُون التشدّق بحريّة التعبير، وما تقوم به جماعات الضغط الصهيونيّة وإرغامهم للدول والحكومات على التراجع عن الكثير من المواقف ليس بخافٍ على كلّ ذي لُبٍّ وبصيرة.
وإذا لم تقم الحكومات في الدول الإسلاميّة بالواجب الملقاة على عاتقها من حماية الإسلام ومقدّساتها؛ فإنّ ذلك لا يُعفي عامّة الناس من القيام بما أوجبه الله عليهم من الذَّوْد عن مقدّسات الإسلام، والامتناع عن شراء كلّ ما يُنتج في تلكم الدُّوَل حتّى تتراجع عن غيّها وتؤوب إلى رُشدها، فإنّه يحرم شرعًا على الجميع أن يُنفقوا درهمًا في شراء منتجات هؤلاء الّذين يحمون أمثال هؤلاء المتطرّفين، الّذين يسعون للتحريض على الكراهية، ويحاولون بثّ الحروب والنزاعات، ولا يستطيع أحد كائنًا من كان أن يُجبر الناس على دعم اقتصاد تلك الدُّوَل بشراء منتوجاتها، فهل نثوب إلى رشدنا ؟ هذا هو المأمول .
أرواحنا وأبناؤنا وأموالنا وأهلونا؛ كلّها فداء لمقام رسولنا الكريم r، ووالله لا نرضى أن يُمسّ مقامه المُنيف بشيءٍ من الأكاذيب والأراجيف فضلا عن التشويه والتجريح .
كلمة أخيرة:
بين أيديكم العدد السادس والعشرون من مجلّة الشريعة والقانون، وهو حافلٌ بالعديد من البحوث القيّمة فضلاً عن نشر مخطوطة قيّمة لم يسبق نشرها في علوم القرآن، ويسعدنا أن يكون هديّة هذا العدد المذكّرة الإيضاحية الخاصّة بقانون الأحوال الشخصيّة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.
والمجلّة ماضية في سبيل التقدم والتطور، ولن يعيقها بإذن الله عائق، وهي لكم وبكم أيها الباحثون والقرّاء، ماضية قُدُمًا تنتظر مساهماتكم الأصيلة والجادّة، وملاحظاتكم الهادفة والبنّاءة، سائلين المولى القدير أن يمكننا من السير على هذا نهج الحقّ والرشاد، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على خاتم النبيّين وإمام المرسلين، المبعوث رحمةً للعالمين، سيّدنا محمّد r وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. محمد عبد الرحيم سلطان العلماء
رئيس التحرير