•  
  •  
 

Volume 2003, Number 18 (2003) Year 17 Issue No. 18 , January 2003

"مشروع قانون الأحوال الشخصية الإماراتي" لم يُثر موضوعاً تشريعياً جدلاً مثل ما أثاره موضوع تقنين أحكام الأسرة، والذي يأمل أن يصدر في الوقت القريب، ولقد اهتمت الجهات المعنية والأسرة الإماراتية أيما اهتمام بهذا الموضوع ولقد أُعد أول مشروع لأحكام الأسرة في دولة الإمارات العربية المتحدة- منذ أكثر من عقدين من الزمن ثم أعقب ذلك سكون، وأعدت في إطار دول مجلس التعاون الخليجي وثيقة مسقط حول أحكام الأسرة وصدق عليها حكام دول مجلس التعاون، وأعيد إثارته من جديد، بأن أعدت وزارة العدل عن طريق لجنة مشكلة من القضاة وأهل الخبرة من الأساتذة مشروعاً آخر، وبعد دراسته ارتأى أن يعد مشروعاً أكثر اتفاقاً مع الواقع الأسري الحاضر، وبحيث لايتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وقد قامت اللجنة المشكلة في أكثرها من أساتذة الجامعات وأيضاً من القضاة ذوي الخبرة بالواقع الإماراتي. ولم تكتف اللجنة المذكورة بالتقنين بل أعدت مذكرة إيضاحية تبرز أهميتها برد التقنين إلى جذوره الشرعية والفقهية. وقد عُرض هذا المشروع على المؤسسات القانونية والاجتماعية في الدولة لتعطي ملاحظاتها وآرائها؛ وهو مايُعد نظرةً استثنائية للتشريع لم يحظى بها أي تقنين آخر، وهو في ذات الوقت يُبرز التطور التنظيمي في دولة الإمارات العربية في إبداء الرأي والمشورة، حيث لم يكتف كما هو في الاستفتاء بنعم أو لا ، بل يذكر الرأي والملاحظات والاعتراضات وقد تكون قمة الشورى كما في قوله وشاورهم في الأمر وأمرهم شورى بينهم . والمشروع الجديد لم يكتف برأي مذهب فقهي واحد في المسائل والأحوال العائلية التي شملها بل تعدى ذلك إلى الأخذ من جميع المذاهب الفقهية والأعراف والمصلحة التي لاتخالف أحكام الشرع، والتي تتفق مع الواقع الحضاري الذي تعيشه دولة الإمارات في ظل قيادتها الراشدة والحكيمة ونظرتها الثاقبة المنطلقة غلى المستقبل المأمول والحكمة ضالة المؤمن فأينما وجدها فهو أولى بها. والذي قلناه يتفق مع النظر إلى الأحكام الفقهية التي كانت نتيجة الاجتهاد، والتي غالباً ما تتغير بتغير الزمان والمكان في حالة الحاجة إلى هذا التغيير أو عدم تناسبها مع هذا الزمان والتطور البيئي للمجتمع، فمن المقرر في فقه الشريعة أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمانية تأثيراً كبيراً في كثير من الأحكام الشرعية والاجتهادية، إذ هذه الأحكام تنظيم أوجبه الشرع يهدف إلى إقامة العدل وجلب المصالح ودرء المفاسد ، فالأحكام ترتبط بالظروف والأوضاع الزمنية والنظام العام والآداب. وكثيرٌ من الأحكام كانت تتناسب مع الوضع الذي صدرت فيه، وكانت نِتاجاً لذاك الزمان وعلاجاً لبيئة في زمن معين، إلا أنه بعد جيل أو أجيال، أصبح لايوصل إلى المقصود منه إن لم يفض إلى عكسه؛ نتيجةً لتغير الأوضاع والظروف والأنظمة (1)، ورحم الله ابن قيم الجوزية حيث قال: "إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل"(2). أ.د. جاسم علي سالم الشامسي رئيس التحرير

Articles